
سليم يندرباييف
كان سليم خان يندرباييف الرئيس الشيشاني الأسبق يقيم في الدوحة منذ 2002 بوصفه ممثلا لرئيس وحكومة الشيشان في قطر وبعض الدول الإسلامية حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2003. وقد تعرض لمحاولة اغتيال ظهر الجمعة 13 فبراير/شباط 2004 ولا يستبعد أن تكون ملابساتها وثيقة الصلة بما يدور في الشيشان من حرب.**معالم حياة سليم خان***كانت عائلة سليم خان يندرباييف الشيشانية من العائلات التي تم تهجيرها خلال الحكم الشيوعي الروسي إلى كزاخستان وهناك ولد عام 1952 قبل أن تعود العائلة عام 1958 إلى موطنها الأصلي. حصل يندرباييف على الشهادة الجامعية في غروزني في الأدب الروسي والشيشاني ثم أكمل دراسته في (معهد غوركي) في موسكو.عرفت عن سليم خان اهتماماته الأدبية والسياسية حيث كان كاتبا وشاعرا ومفكرا وسياسيا، وقد انضم إلى اتحاد الأدباء السوفيات. وله عدة تآليف تبلغ 15 كتاباً (من بينها ستة دواوين شعرية وثلاثة كتب في السياسة وغير ذلك)، وقد ترجم بعضها إلى اللغتين الإنجليزية والتركية.**النشاط السياسي***قام يندرباييف بعدة نشاطات سياسية من أبرزها كونه:أسس حزب (واي ناخ) الديمقراطي عام 1989، وهو الحزب الذي قاد استقلال الشيشان رغم عدم اعتراف روسيا به. نائب البرلمان الشيشاني. نائب الرئيس الشيشاني الأسبق جوهر دوداييف منذ العام 1993 وحتى وفاة دوداييف في 22 أبريل/نيسان 1996. رئيس الشيشان من أبريل/نيسان 1996 إلى فبراير/شباط 1997. ممثل حكومة الشيشان لدى بعض الدول الإسلامية من 1997 حتى 2003. **مطالبة روسيا بتسليمه***سعت روسيا لدى مجلس الأمن الدولي حتى أدرج اسم يندرباييف على لائحة الأشخاص المرتبطين بحركة طالبان وتنظيم القاعدة. ثم طالبت دولة قطر بتسليمه لها وهو أمر لم تستجب له الدوحة.**موقف ياندرابييف من الروس***يرى يندرباييف أن إجراء مفاوضات مع الروس أمر مستحيل وأن "كل الوسائل والطرق" مسموحة لتحقيق النصر في جمهورية الشيشان الواقعة في القوقاز مما يعني مواصلة الحرب على روسيا حتى تنال الشيشان استقلالها.سليم خان يندرباييف.. الارتحال الأخيرسيرة الشهيد الجنرال سليم يندرباييف..سليم خان يندرباييفلم يكن مقتل الرجل مفاجأة لشعبه! فقد اختار بنفسه الطريق وعرف نهايته، وسبقه إلى نفس المصير عشرات من الرفاق، وعشرات الآلاف من أبناء الوطن. وإن كانت مأساة أن يُحرم الرجل من أن يدفن في ثرى الأرض التي جاهد من أجلها وعاش على حلم تحررها.المنفى.. البداية كالنهايةلم تكن فوهة البندقية هي النافذة الوحيدة التي أدرك منها يندرباييف العالم؛ فالانتماء للقضية متعدد المشارب، وما أندر أن تحمل في يدك سلاحا وفي الأخرى قصيدة شعر. وكغيره من أبناء ذلك الجيل الذي نفى ستالين آباءه إلى أواسط آسيا في منتصف القرن العشرين، طُردت عائلة يندرباييف مع مئات الأسر الشيشانية إلى كازاخستان. وفي المنفى تُمنح العائلة القليل لتبقى، وتجد لديها من الأمل ما يكفيها بالكاد لتُنجب سليم خان في عام 1952. وقبل أن تكمل نفس الصبي تعرفها على جغرافية المنفى، تلتقي عيناه الوطن في عام 1958 بعد أن حُرم الميلاد به.بين 1960 و1985 تمر السنون تقليدية برائحة العهد السوفيتي التي تفوح خوفا وحذرا وترقبا، وبين الارتحال من جروزني إلى موسكو يكمل سليم خان دراسته للأدب السوفيتي والوطني. ولأن الصفوة المثقفة في الشيشان كانت -إلى جانب بعض رجال الأعمال المستنيرين- صاحبة المبادرة في إذكاء الحركة التحررية في أواخر الثمانينيات، سارع يندرباييف مع إخوانه بتأسيس حزب ديمقراطي كان من المشاركين بفاعلية في استقلال الشيشان في 1991. وأهلته أفكاره الوطنية وخبرته بالنفس ودرايته بالروس لأن يتدرج في المراتب السياسة ليصبح في 1993 نائبا لأول رئيس للشيشان: الجنرال جوهر دوداييف.وبعد 3 سنوات من رفقة دوداييف يلقى الأخير المصير التقليدي لمن طلب التحرر عن موسكو فيتم اغتياله في إبريل 1996. وقبل أن يلملم سليم خان أحزانه كان عليه أن يجلس في مقعد صديقه المغتال لعشرة أشهر يلتقي في نهايتها بالرئيس الروسي يلتسين ويوقع معه اتفاقا للتمهيد لاعتراف روسيا باستقلال الشيشان. وتجرى الانتخابات الرئاسية في الشيشان ويفوز فيها أصلان مسخادوف في مطلع 1997.بين الأيديولوجيا والسياسةسرعان ما أدرك سليم خان أن الشعب الشيشاني رأى في مسخادوف كاريزما تحتاجها المرحلة التالية، كما أدرك أن لعبة التسوية وحلول الوسط وخلافات القيادة لا تتحملها نفسه ووجدت طباعه الصارمة مناخا مناسبا لدى رفاق الجناح الراديكالي في القيادة الشيشانية الذي سعى إلى ضم داغستان إلى الشيشان وإعلانها دولة إسلامية متحدة في سبتمبر 1999. وهنا افترق الجمع في خلاف على المنهج، غير أن روسيا لم تترك الوقت لتسوية الخلافات الأيديولوجية وقامت بغزو شامل للشيشان بعد أقل من شهر وأشعلت النار التي ما يزال دخان رمادها يعلو المآذن وأطلال البيوت.وفي عام 2000 يرتحل يندرباييف إلى باكستان ليوثق علاقته برفاقه في أفغانستان، غير أن موسكو تضغط على إسلام آباد فيضطر إلى الرحيل إلى الإمارات ومنها إلى تركيا، ثم تكون الدوحة محطته الأخيرة حيث تم اغتياله.وإذا قدر لك أن تمرر عيناك على عشرات الصحف الروسية أو تجلس أمام شاشات تلفازها منذ اغتيال يندرباييف فسيداهمك كم وافر من البيانات التي تتنافس؛ لتؤكد لك أن يندرباييف لقي الجزاء الذي يستحق، وقتل بسبب خلافات شخصية لتصفية حسابات بينه وبين المقاتلين بسبب نزاع على اقتسام المال أو لمشكلات مالية بينه وبين دار النشر التي تطبع كتبه في باكو بأذربيجان!خمسة عشر كتابا وضعها يندرباييف، ما يقرب من نصفها دواوين شعرية. يقول في إحدى قصائده التي كتبها قبل قليل من اغتياله:ها صديقيلو أنهم قتلوا الحريةبوطنك أو وطنيأتدري من الضحية؟قتلوك وقتلونيروح تلك الكلمات هي التي تشكل فكر الرجل الذي رأى أن القتال لآخر قطرة دم هو الخيار الوحيد. ولم تفده علاقاته بالشرق في أن يتعلم دروسا "مفيدة" في المهادنة والتلون. وبقي يندرباييف مثار تساؤلات واسعة آخرها ماذا يفعل هذا الرجل في قطر؟ وهنا إجابتان:- الاستخبارات الروسية تؤكد لمواطنيها وتترجم إلى الإعلام الغربي أن يندرباييف "يجمع الأموال من الأثرياء العرب الحائرين بأموال زكاتهم وصدقاتهم" فيرسلها للمقاتلين الشيشان عبر حسابات سرية؛ لشراء السلاح من أوكرانيا وجورجيا، بل ومن روسيا نفسها! وفي خلال عملية مسرح موسكو في أكتوبر 2002 نقل الإعلام الروسي لمواطنيه نص مكالمة هاتفية قال: إنها لأحد محتجزي الرهائن مع يندرباييف المقيم في الدوحة.- وتقرن وزارة الداخلية الروسية يندرباييف بالعمليات الانتحارية التي تدور خارج الأراضي الشيشانية وبصفة خاصة في العاصمة موسكو، والتي كان آخرها تفجير إحدى عربات قطار مترو الأنفاق قبل أسبوع واحد من اغتيال يندرباييف، وسقط بسببها 50 قتيلا وأكثر من 100 جريح.بعض المثقفين الشيشان في المنفى يؤكدون أن يندرباييف اعتزل السياسة وتفرغ لتأليف الكتب وإكمال دوره في الميدان الثقافي. وأن خلافات في وجهات النظر مع قادة المقاومة جعلته يعزف عن المشاركة في ظل قيود شديدة على تحركاته والتزامه بقواعد الضيافة في قطر التي تضع موسكو عليها أعينا وآذانا.بين الثابت والمتحولولأنه من الصعب تصديق الاحتمال الثاني وتساور الشكوك الاحتمال الأول، فلا مفر من تلمس دور الرجل بقراءة أفكاره الرئيسية التي لا يعني اختفاء صاحبها اختفاؤها. وتقوم هذه الأفكار على أربعة أعمدة رئيسية:1 -الإيمان بأن لدى الشيشان مقومات الدولة المستقلة. ولا عجب في ذلك، فقد وقّع بنفسه في نهاية 1996 مع رئيس روسيا الأسبق بوريس يلتسين على اتفاقية للتحضير للاستقلال بعد 5 سنوات. ويعتقد فكر يندرباييف أنه ليس من الحكمة أن تصر على أن يتحقق حلمك في حياتك! فيمكن أن "تتخيله" متحققا في أيدي أبنائك وأحفادك، ويؤكد بحزم "إذا ما استمرت الحرب عشرا أو مائة أو ألف سنة، حتى آخر رجل، فإننا على حق وسنظل ندافع عن حريتنا وحرية وكرامة المسلمين. أما إذا كان المسلمون يريدون منا أن نعيش تحت أقدام الروس، فنحن نتبرأ من هؤلاء المسلمين، نحن نريد ونحتاج إلى مسلمين أحرار" (في حديث لقناة الجزيرة 11-11-1999).2 -عدم الوثوق بالجانب الروسي المتلاعب بكل الأوراق. ويكفي أن السبب الأساسي لغزو الشيشان في خريف 1999 جاء انتقاما لتفجير البنايات السكنية في موسكو التي سقط بسببها مئات القتلى. وقد سمح القدر لأن يشهد يندرباييف قبل اغتياله بثلاثة أشهر صدور كتاب لضابط المخابرات الروسي أليكسندر ليتفينينكا كشف فيه أن هذه التفجيرات صناعة زملائه في جهاز المخابرات ولا علاقة للشيشانيين بها.3- ضرورة تقديم الذات إلى الغرب "الكسول" الذي يقبل ما تروجه روسيا دون تمحيص. وهو ما يفسر سعي يندرباييف للتنقل بين عواصم العالم؛ لبيان وجهة النظر الشيشانية وعقد لقاءات صحفية تفرق بين الضحية والجلاد. وإسلاميّا آمن يندرباييف في التكاتف الإسلامي وضرورة مشاطرة المسلمين إخوانهم، حيثما كانوا، تطوعا ومالا وإعلاما.4- بينما يغض نموذج يندرباييف الطرف عن براجماتية بعض الرفاق الساعين لتحقيق أهداف تكتيكية لخدمة القضية (نموذج مسخادوف أواخر التسعينيات) فإنه ينأى بنفسه عن هذا الفكر ولا يتعاطى معه ويتمسك دون مراوغة بضرورة تطبيق أحكام الشريعة، ويرى لديها مقومات النجاح رغم توتر الظرف التاريخي.الذئب أم الكلب!؟بينما يرى أهل الصحراء في الأفعى رمزا للمكر السيئ والغدر، يعتبرها الصينيون رمزا للحكمة وتجسيدا لبلاغة الصمت. وفي الشيشان يتخذ الذئب رمزا قوميا؛ لأنه -خلاف النمور والأسود التي تفترس المخلوقات الضعيفة- لا يأكل إلا من على مستوى قوته، كما أنه حينما ينزف ينزوي يلعق جراحه ليداوي نفسه.ولا بد أن هذه المفارقات سترد إلى ذهنك حينما تقرأ ما كتبته إحدى كبريات الصحف الروسية من أن يندرباييف "مات كالكلب... إن دمه الذي أريق لا يوازي ما أريق بسببه من دماء" (صحيفة إزفيستيا 14-2-2004)، وقد يزعجك هذا الوصف، ولكن لا بد أن تعرف أن الصحيفة نسبت هذا القول لمصدر "رفيع المستوى في الحكومة الشيشانية" (المعينة من قبل الكرملين).مشكلة كبرى هي أن يعجز الناس عن تحديد أين هي الذئاب وأين ما دونها؟ فأمامهم ثلاث رؤى متداخلة ومربكة:1- حزن الشيشانيين على سقوط واحد من رموز تاريخهم الحديث، أحد من صاغوا مفهوم الاستقلال الشيشاني ومن ترجم على أرض الواقع أفكار سلفه جوهر دوداييف الذي دائما ما ردد بصوت حماسي "من يرض بأن يكون عبدا فمخطئ إن لام سيده". ولا يمثل الراحل يندرباييف مزجا بين الصفوة المثقفة والصفوة السياسية فحسب بل إنه مثال نادر في الثبات على العهد والوقوف على رأس الثغر. وبينما اختلف الغربيون في وصفه تارة بالمنظّر الأيديولوجي وتارة أخرى بالإرهابي صديق بن لادن، يبقى يندرباييف للشيشانيين أحد من أصروا على أن هناك خطا واضحا لكل ذي عينين بين الإرهاب بمعنى تخويف العدو الذي بادر واعتدى عليك والإرهاب بمعنى إيذاء الأبرياء.2- قدر من الارتياح لدى المواطنين الروس الذين مثل لهم يندرباييف الكابوس الأكبر الذي يغتال سكونهم وهدوء حياتهم في صالات الحفلات وفي قاعات المسارح، بل زحف وراءهم في باطن الأرض حيث كُسرت الرقابة وفجرت عربات في مترو الأنفاق (هكذا يحكى لهم). ورغم أنهم يفهمون أن الصراع الروسي الشيشاني هو صراع "فوقى" قاصر على الأطماع السياسية للكرملين في مواجهة مشروع سياسي لأمة صغيرة فإنهم أمام نزيف دمائهم وسطوة إعلامهم يتداخل لديهم الفوقي بالتحتي حينما تتحول الثقافة السياسية إلى فاجعة تصيبهم أو تصيب أبناءهم الجنود في القوقاز.3- سعادة بالغة لدى القيادة الشيشانية الحالية بزعامة أحمد قاديروف. ويعتبر اغتيال يندرباييف بالنسبة لها شطبا لاسم شديد الأهمية من قائمة "سوداء" تمثل لها هاجسا مروعا لسببين:الأول: لأن أعضاء هذه القائمة شهداء على تلونها وتحولها من الجهاد ضد روسيا إلى العمالة لها، ومن ثم فهناك ثأر حقيقي.والثاني: لأنه حذف لواحد من ثلة من القيادات الشيشانية التي يضيق عليها الخناق في كل مكان، ومصيرها إما الوقوع في الأسر أو القتل أو الاختفاء تحت الأرض. وبين الحين والآخر لا تنسى هذه القيادة أن تذكر المسلمين في كل مكان "دعونا لنبني الشيشان، نحن أدرى بحاجة وطننا، أوقفوا دعمكم لمن يجلب الدمار على وطننا".وقد جاء اغتيال سليم خان ليؤكد أن إعمار الشيشان -وفق المنطق الروسي والإدارة الموالية له- لا بد أن يبدأ بقطع رؤوس الذئاب الشيشانية التي استعصت على التدجين، وأن طريقه لا بد أن تفسحه العربات المفخخة!